رأي

( يستاهل البرد من ضيّع دفاه ) .. لمحات مما قيل في البرد والشتاء ( 2 / 2 )

حضرموت حُرّة/ بقلم: أحمد عمر باحمادي


● ريح الشمال وكرم الرسول :

قال أحد الشعراء يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأبيك حقاً إن إبل محمد ×× عزل نوائح أن تهب شمال / وإذا رأين لدى الفناء غريبة ×× فدموعهن على الخدود سجال ) ، والمعنى يقول هذا الشاعر: إذا هبت الشمال، وهي من ريح الشتاء، وهبوبها من علامات المحل، أيقنت هذه الإبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها للضيفان والجيران، فهي نوائح لذلك فما أعظم كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

● الراحلون لرحلة الإيلاف :

جاء في أمالي المرتضى (غرر الفوائد ودرر القلائد) أنه كان هاشم صاحب إيلاف قريش للرحلتين وأول من سنهما، فألِفوا الرحلتين : فى الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق، وفى الصيف إلى الشام. وفى ذلك يقول ابن الزّبعرى: ( عمرو العلا هشم الثريد لقومه ×× ورجال مكّة مسنتون عجاف / وهو الّذي سنّ الرّحيل لقومه ×× رحل الشّتاء ورحلة الأضياف )، فأما «المسنتون» فهم الذين أصابتهم السنة المجدبة الشديدة.

● *

نلبس عريّنا :

وهذا الشاعر أحمد مطر يقول في إحدى قصائده :

يا شُرفاءُ
هذهِ الأرضُ لنا
الزرعُ فوقها لنا
والنفط ُ تحتها لنا
وكلُ ما فيها بماضيها وآتيها لنا
فما لنا
في البرد لا نلبسُ إِلا عُرينا؟
وما لنا
في الجوع ِ لا نأكُلُ إلا جوعنا؟

● نفخ للبرودة والحرارة :

يقول الشعراوي رحمه الله في تفسيره : ( سبق أن ضربنا المثل بأن الفعل في بعض الحالات واحد، لكن القابل للفعل مختلف، لذلك تكون النتيجة مختلفة. وعلى سبيل المثال : إذا كنت في الشتاء، وخرجت ووجدت الجو بارداً، وشعرت أن أطراف أصابعك تكاد تتجمد من البرد، فتضم فبضتك معاً وتنفخ فيهما، وقد تفعل ذلك بلا إرادة من كل تدفئ يديك.

وكذلك حين يأتي لك كوب من الشاي الساخن جداً، وتحب أن تشرب منه، فأنت تنفخ فيه لتأتي له بالبرودة. والنفخة من فمك واحدة؛ تأتي بحرارة ليديك، وتأتي بالبرودة لكوب الشاي، وهكذا فالفعل واحد لكن القابل مختلف. وكذلك القرآن فمن كان عنده استعداد للإيمان فهو يهتدي به، ومن لا يملك الاستعداد فقلبه غلف عن الإيمان.

● في ذكر البرد :

خَرَّجَ الإمامُ أحمدُ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ، عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: “الشِّتَاءُ رَبيعُ المُؤمِنِ” وخرَّجَه البيهقيُّ، وغيره، وزاد: “طَالَ لَيْلُهُ فَقَامَهُ، وَقَصُرَ نَهارُهُ فَصَامَهُ”، المؤمنُ يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له؛ من جوعٍ، ولا عطش؛ فإن نهارَه قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام. وفي “المسند”، و”الترمذي”: عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: “الصِّيَامُ في الشِّتَاءِ الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ”.

● ارتجافة الشتاء :

يقول الطنطاوي رحمه الله حاثاً على التراحم فيما بيننا : ( وإن في البلد من يرتجف هذه الليلة من البرد في البيوت التي ثلّجها الشتاءُ، لا يلقى جمرة مشتعلة، وإن هنالك تلميذات وتلاميذ، يقرؤون بعيون تزيغ من الجوع والقرّ ويكتبون بأصابع محمرة من البرد. وإن في هؤلاء من لو أُمِدّ بالطعام واللباس وأُعينَ على الدراسة، لكان عبقرياً تعتز بمثله الأوطان وتسمو الأمم ).

● لباس البرد :

امتن الله على عباده بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن هذه النعم نعمة اللباس، فجعل لهم لباسا يواري سوءاتهم ويجمّل هيئاتهم، ويقيهم من البرد والحر ويقيهم بأسهم قال تعالى {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون}،

فعدم التدفئة من البرد أو الوقاية من الحر تضر الإنسان، ولا ينبغي للمسلم أن يضر نفسه أو يوقعها في المهالك، كما أن في التدفئة والوقاية، إعانة على عبادة الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى