عزيمةٌ في وجه البَرْد..!!
حضرموت حُرّة/ بقلم : أحمد باحمادي
في أحيان كثيرة يصدُف أن أصطحب معي رجلاً أعمى في طريقي للذهاب إلى المسجد للصلاة .. وكنا خلال المسير نتبادل أطراف الحديث ..
كان فيما طرقناه من موضوعات .. حديثنا عن كيفية مواجهة هذا البرد الشديد .. فنشرات الأجواء ـ كما تعلمون ـ توافينا بين فترة وأخرى عن موجة برد شديدة تستمر لعدّة أيام يصحبها هبوب الريح ..!
كان الأولون على الرغم مما هم فيه من فقر وحاجة يواجهون البرد بكل قدرة واحتمالية بأجسام قوية مصطبرة .. ومما حكاه لي هذا الشيخ أن الفلاحين كانوا يخرجون بعد صلاة الفجر مباشرة إلى مزارعهم مع البرد الشديد طلباً للرزق والعيشة ..!!
لم يعرف أولئك المكافحون شيئاً اسمه وظيفة ولا عملاً حكومياً روتينياً يستلمون مقابله راتباً هزيلاً كل شهر .. بل كانوا يأكلون من عمل أيديهم ومن عرق جبينهم .. فكانت أرزاقهم تجري عليهم من خالقهم جلّ في عُلاه مثلما يرزق الطير .. ( تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) ..!!
اشتدّت أجسامهم وقويت أجسادهم بما يأكلونه حلالاً من خيرات أرضهم المعطاءة .. فلم يكونوا يعرفون موادَّ حافظة ولا سمومَ ولا تاريخَ إنتاج وانتهاء .. يُخرجون خبر الذرة ( الطعام ) من التنور ساخناً طرياً ويتناولونه شهياً مع تمرات وشيئاً من القهوة الدافئة ..!!
وفي أحيانٍ يتناولون العصيد مع زيت السمسم ( المعصرة ) فيمدهم بدفء وطاقة ما لا يعطيه في وقتنا الأغبر عشرة ساندويتشات أو ( زنجر ) أو حتى شاورما صاروخ ..!!
تظل أجسامهم في الجو القارس لفترة طويلة يعملون ويكدحون فلا يصيبهم المرض إلا فيما ندر .. بينما يُرى أحدنا يرتعش جرّاء قليل من البرد و( يتكلوَس ) بين طبقات البطانيات وفوق هذا يصبح هزيل الحال ..!!
لقد امتلك أجدادنا إرادة قوية تكسر الصخور والفولاذ .. فلم يستسلموا لمصاعب الحياة .. قد غمرتهم ـ رغم بساطة حياتهم ـ السعادة والإيمان والرضا .. فما أجملَ تلك الحياة وما أعظمَ من عاشوها ..!!