رأي

نداء حضرموت

حضرموت حُرّة/ بقلم: سالم علي بامخرمة

حضرموت..
يصنفها علماء النحو مركبٌ مزجي، ولها من اسمها نصيب، فقد امتزجت بحضرموت قبائل وشعوب مختلفة، وعبر سنين طويلة تشكّلت حضرموت التي نعرفها ونعتز بها .. ونفخر بالإنتماء إليها .. شامخة شموخ جبالها، لا تنالها الكسرة لأنها ممنوعة من الصرف.

استطاعت حضرموت أن ترسم في الماضي السحيق تاريخا من الحضارة يأبى النسيان، وعلى أسوارها انكسر الغزاة، لم يكن أولهم ذمار علي يهبر الريداني (ملك سبأ وذو ريدان) الذي غزا أرض حضرموت ومدينة شبام -على وجه التحديد- وليس آخرهم إمام اليمن الزيدي (المتوكل على الله القاسم) .. ذهب الغزاة وبقيت حضرموت.

مرّت حضرموت كغيرها من البلدان بمتغيرات كثيرة فمن مجتمع بدائي إلى حضارة وصل صداها الأرجاء دوّنها اليونانيون القدماء بما سمّوه طريق اللبان والعربية السعيدة .. وبين جبالها وهضابها عاش امرؤ القيس وسطّر بعضا من حياته في وادي دوعن بقوله:
كأني لم أبت بدمون ليلة ٭٭ ولم أشهد الغارات يوما بعندل

ومن حضرموت وردت الوفود إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم آخر ملوك العرب وائل بن حجر ..
وشارك الحضارمة في جيش الفتح الإسلامي، فكان منهم القائد طارق بن زياد الصدفي فاتح الأندلس (رحمه الله) والعالم الشهير ابن خلدون الحضرمي والعديد لايسمح المقام بحصرهم.

وإن كان الحضارمة شاركوا بالفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا وجنوب أوربا مع غيرهم .. إلا أنهم تفرّدوا بفتوحات شرق آسيا بطريقة لم يسبقهم إليها أحد .. فلم يدخلوها بالسيف ولكن بأخلاقهم وطيبتهم وصدق نواياهم، فدخل على أيديهم ما يزيد نسبته ثلث المسلمين في العالم اليوم.

تلك حضرموت وذاك تاريخها وهؤلاء رجالها، لكنها تتعرض اليوم لأبشع غزو يسعى لتجريدها من ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ببث الفرقة بين أبنائها وطمس ثقافتها .. وصولا إلى التشدق بلهجة غير لهجتها ولباس غير لباسها، وجعلوا من التنوع الإجتماعي والثقافي مصدر إضعاف وتشتيت لها لا تميّز وقوة.
لم يكن لحضرموت التي وضعت بصمتها على أجزاء واسعة من خريطة العالم أن تتأثر بمحيطها المتخلف، ففي كل مرة يحاول محيطها التأثير عليها، كانت حضرموت تنفض ما أصابها وتعود أشد تلاحما وأصلب عودا.
إن حضرموت اليوم في أمس الحاجة لأبنائها المخلصين أن يتقدموا الصفوف ويوحدوا الخطاب في مواجهة سياسة جرجرة حضرموت إلى الصغائر، وتفكيك نسيجها، وتجاذبها بين المشاريع السياسية بحثا عن المصالح الذاتية والحزبية على حساب حضرموت الأرض والإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى