( إضراب المعلمين ) .. ( المحطة الأخيرة ) ..
حضرموت حُرّة/ بقلم: أحمد عمر باحمادي
يروي د. ابراهيم الفقي ـ رحمه الله ـ قصة ذات عبرة وعظة حصلت له فيقول : كنت مسافراً بسيارتي إلى منطقة تُسمى بـ ( العين السخنة ) ومعي أسرتي..
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، وقبل انطلاقي وضعت في بالي أن انتبه على ( ضوء مؤشر البنزين ) كون المؤشر كان يؤشر على قرب انتهاء الخزّان.
توجهت لشراء بعض اللوازم وبعدها انطلقتُ ونسيت أمر البنزين .. وما هي إلا فترة قصيرة حتى أضاء مؤشر البزين معلناً أن وقودي سينفذ نهائيا بعد فترة .. لم أقلق في البداية ظناً مني أنني سأجد الكثير من محطات الوقود في الطريق ..
ولكن مع مرور الوقت والظلام الحالك والطريق الموحش بدأ القلق يتسرب .. اتصلتُ بصديق مستعلماً منه عن أول محطة بنزين فأنبأني بأنها بعد مسافة طويلة جدا ..
تحول القلق إلى رعب وتراجعت كل الاهتمامات والمشاغل والمشاكل .. وانحصرت الآمال والأحلام والهموم كلها في أمر واحد فقط وهو: محطة الوقود .. ولم أعد أتمنى من الدنيا إلا محطة وقود .. إذ تضاءلت وتصاغرت كل المشاكل التي كانت تشغلني منذ دقائق ..
لاحَ لي ضوء من بعيد فدب في قلبي أملٌ واهنٌ وفرحٌ مُعلق .. اقتربتُ من الضوء .. لم تكن محطة وقود بل استراحة فقيرة جدا .. شعرت بالإحباط وسألت الرجل عن أقرب محطة وقود .. كياني كله تعلّق بـ فم ذلك الرجل .. قال الرجل:[ المحطة تبعد مسافة ( 3 ) كيلومتر ]
كدتُ احتضنه لكني خشيت أن تكون إجابتة غير دقيقة أو أن محطة الوقود ليس بها وقود الليلة .. انطلقتُ بعدها مكملاً طريقي وعيناي لا تفارق ( ضوء مؤشر البنزين ) .. ومرت الثواني كالدهر.. وأخيرا.. لمحت من بعيد المحطة.
وحين وصلت لم يكن هناك أحد .. وجعلت أبحث عمن أكلمه .. ظهر رجلٌ أخيراً فسألته متلهّفاً : عندك بنزين ؟ .. قال لي : ( نعم ) .. كانت أجمل ( نعم ) سمعتها في حياتي .. سجدت لله فوراً .. بعدها انطلقتُ لاستكمال الرحلة وأنا أشعر إني قد كُتب لي عمرٌ جديد ..
عندما قرأت هذه القصة العجيبة تراءى لي وجه الشبه بينها وبين ما نحن فيه من ( إضراب مطلبي وقانوني مشروع ) .. فهذه الخطوات المطلبية التي نخوضها هي بمثابة محطتنا الأخيرة ـ كمحطة بنزين ذلك الرجل في وسط طريق مقطوع وبعيد ومليء بالظلمة والوحشة ـ
إن صمدنا وثبتنا في محطتنا هذه .. وتزودنا منها بما يحقق أهدافنا ويلبي مقاصدنا فُزنا ونجونا جميعاً .. أما إن لم نفعل شيئاً وتواكلنا وأهملنا ومضت محطتنا دون فائدة تعود علينا ..
فلن يتدراكنا أحد ولن يشفق علينا من المسؤولين أي شخص .. وأنتم ترون كيف ينظرون إلينا ويتعاملون معنا بقلة اكتراث بل وقلة احترام ـ رغم قانونية ومشروعية ما نفعل ـ
لقد توقف مشوار وظيفتنا اليومي عند محطة هامة .. ضحينا خلالها بالكثير .. وآثرنا بعضنا البعض بكل شيء .. فاحذروا كل الحذر أن تمرّ عليكم محطتكم الأخيرة هذه فلا تتزودوا منها .. وتجنوا ثمار ما ضحّيتم من أجله ..
قد ينالون منّا إن قدروا علينا كما أوضح ذلك القاضي يوماً ناصحاً إيانا بقوله : ( إذا استسلمتم سينالون منكم ) ـ ولن يستطيعوا بحول الله ـ .. لكن بالثبات والتصميم ستصبح محطتنا هي المحطة الأخيرة..
كي نصل بعدها إلى حياة كريمة تليق بكل معلم ومعلمة وتربوي وتربوية ثابتين ومتعاقدين .. فاجعلوا أوقاتكم في سباق لتحقيق الأهداف .. واتركوا الغفلة والتقصير .. ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).