اليمن على بوابة السلام بين ضبابية المواقف الحوثية وتمسك الحكومة الشرعية بالسلام المستدام (1)
الدكتور / عبدالعزيز صالح جابر
الباحث اليمني في الاعلام السياسي
هناك محطاتٌ عدة مرّ بها الصراع والحرب في اليمن منذ دخول الجماعة الحوثية العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 ونجاح انقلابهم على الحكومة الشرعية ، ويدخل العام التاسع من الحرب في اليمن والجماعة الحوثية تبسط نفوذها على عدد من المحافظات اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء، وبسبب ذلك يعاني اليمن من أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة يتجرع مراراتها الشعب اليمني .
وخلال هذه السنوات فمعادلة تحقيق السلام المستدام في ظل الاوضاع السياسية القائمة حاليا تعد مسألة معقدة ولكن ليس مستحيلة، لأن الشروط المتمثلة في تجاوز ومعالجة الأسباب التي أشعلت الحرب والمتمثلة في انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية اليمنية لم تتحقق إلا بجزئيات بسيطة ، وهي التي استقرت عندها المعادلة والتي لا تسمح بتحقيق السلام المنشود والمستدام ، ولعل زيارة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر لصنعاء بمعية الوفد العماني في ابريل من العام الحالي والذي كانت استمراراً لجهود المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة والحرب اليمنية، ودعماً للمبادرة التي قدمتها المملكة في ٢٠٢١م ولتثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل وتسوية سياسية شاملة ومستدامة في اليمن ، والذي يأتي تواصلا لمواقف المملكة العربية السعودية مع اليمن وفي أحلك الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية ،ولتحقيق تطلعات أبناء اليمن بعودة الأمن والسلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي ،وتواصلت الجهود السعودية والعمانية في هذا المسار وعبر اكثر من اتجاه ومسار وتواصلت الحوارات السعودية مع الاطراف الفاعلة في الحرب اليمنية ومنها ايران رأس حربة الصراع والحرب والداعم الاساسي للحوثيين وكذا على المستوى الدولي مع الصين وروسيا وامريكا وفرنسا وبريطانيا والامم المتحدة ،وتوجت تلك الجهود بالبيان الذي اصدره المبعوث الخاص للسلام في اليمن هانس غروند برغ السبت الماضي والذي جاء فيه:((بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط، بما في ذلك مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وكبير مفاوضي أنصار الله محمد عبد السلام، رحب المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن هانس غروند برغ بتوصل الأطراف للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة. وسيعمل المبعوث الأممي مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها خارطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة ستشمل من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة ستنشئ خارطة الطريق أيضًا آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.
عبر غروند برغ عن تقديره العميق للأدوار الفاعلة التي لعبتها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان في دعم الطرفين للوصول إلى هذه النقطة، وحث جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في هذا الوقت الحرج لإتاحة بيئة مواتية للحوار وتسهيل نجاح إتمام اتفاق بشأن خارطة الطريق.
وقال المبعوث الأممي هانس غروند برغ: “ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج
ملموسة وللتقدم نحو سلام دائم لقد اتخذت الأطراف خطوة هامة. إن التزامهم هو، أولاً وقبل كل شيء، هو التزام تجاه الشعب اليمني بالتقدم نحو مستقبل يلبي التطلعات المشروعة لجميع اليمنيين ونحن على استعداد لمرافقتهم في كل خطوة على الطريق)) .
ولكن مع اقتراب نجاح هذه الجهود والمساعي الاخوية السعودية والعمانية وقرب التوقيع على هذا الاتفاق يبرز السؤال الأهم وهو : هل الأطراف اليمنية مستعدة لتحقيق السلام المستدام في اليمن؟.
لذا ومن اجل الاجابة على هذا السؤال علينا ان ندرك حجم الفجوة المتَّسعة بين مواقف أطراف الصراع وتصوراتها لمستقبل اليمن والتي تُمثِّل واحدة من أهم التحديات أمام إحلال السلام المستدام ، وهي فجوة تتجلى في المواقف المتباينة بين اقطابها .
ومع التطورات التي حدثت خلال الفترة الماضية وخلال النصف الثاني من هذا العام في محاولة التوصل لاتفاق سلام في اليمن ، والتي توجت بهذا الاعلان الاممي لتحقيق السلام ووقف الحرب، الا ان المشهد السياسي والأمني في اليمن لايزال يتَّسم بالمراوحة بعد التعنت الحوثي وعدم استعداده تقديم اي تنازلات من شانها تفضي لخروج اليمن من دوامة الحرب إلى واحة السلام والاستقرار ولعل ممارساته الاخيرة في البحر الاحمر ومضيق باب المندب ومهاجمته للملاحة الدولية والسفن التجارية بالمسيرات والصواريخ الباليستية والذي يضع اتفاق السلام على المحك علاوة على خلط الاوراق وتهديد الدول الواقعة على ساحل البحر الاحمر وعسكرته من قبل القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا التقرير والذي من خلاله يتم تشخيص الواقع الراهن برصد وتحليل أبرز التحوُّلات في القوى الرئيسة المؤثِّرة في المشهد اليمني عسكريا وسياسيا ومحاولة بلورة مقارباتها للمرحلة القادمة، واشتقاق السيناريوهات في ضوء التوجُّهات المحتملة لهذه القوى الرئيسة والمؤثِّرة في سبيل احلال السلام المستدام في اليمن .
موقف الشرعية من السلام
منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر 2014، استمرت الحكومة اليمنية طيلة السنوات التسع الماضية من الحرب في مد يدها للسلام والتعاطي الإيجابي مع كل الجهود الإقليمية والدولية منذ جنيف الأولى مروراً بمباحثات الكويت ، وصولاً إلى مشاورات ستوكهولم والمبادرات الإقليمية والأممية الأخيرة بما فيها مبادرة المملكة العربية السعودية الاخيرة والإطار العام الذي اطلقه المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث ومواصلة المبعوث الاممي الحالي هانس غرندوبيرغ تلك الجهود حتى الوصول لبيانه الذي اعلن عنه .
ولعل زيارة السفير السعودي في اليمن محمد ال جابر برفقة الوفد العماني لصنعاء ابريل الماضي واللقاء بالقيادات الحوثية ، ومع خطة التوافقات والمقترحات التي طرحت لخريطة الطريق نحو إحياء مسار السلام التي ترعاها السعودية ورؤية الحكومة اليمنية الشرعية إزاءها والتي رحب بها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية وانها محل اعتزاز وتقدير عال من قبلهم ، وانها تعبر عن حرص لوضع حد للماسأة الإنسانية التي سببها الانقلاب الحوثي وانعكاساته الكارثية على مناحي الحياة كافة في اليمن، وإلى إحلال السلام واستعادة الأمن والاستقرار ، لكن هناك تذمرا حكوميا من تعاطي الميليشيات الحوثية مع هذه الدعوات للسلام بمزيد من التحشيد وتكريس نهجها الطائفي كسلوك يكشف بجلاء مواقفها من فرص التعايش والسلام الممكن.
وتنطلق رؤية الحكومة اليمنية من أن الحوار هو الحل الوحيد لإنهاء الحرب في اليمن وتحقيق السلام، وأن السلام العادل والشامل والمستدام لابد أن يعالج الجذور السياسية للحرب والمتمثلة في محاولة ميليشيا الحوثي فرض سيطرتها وهيمنتها على الدولة اليمنية بقوة السلاح وفرض الفكر الطائفي السلالي الغريب على الثقافة اليمنية العربية الاسلامية ، والتي تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف القائم على الوسطية والاعتدال ، وقدمت الحكومة اليمنية في سبيل تحقيق السلام التنازلات تلو التنازلات، ولم تتلقى في مقابل ذلك إلا مزيدا من تعنت الميليشيات الحوثية الانقلابية وإصرارها على استمرار الحرب، ورفض المبادرات والجهود الرامية إلى إنهاء الحرب وتحقيق السلام، وإصرارها على مواصلة التصعيد العسكري، الأمر الذي يوضح وبكل بساطة ارتهان هذه الميليشيات للنظام الإيراني، وتحولها إلى واحدة من أدواته التخريبية في المنطقة، وبالتالي فهناك اصوات بدأت تتعالى من داخل الحكومة وترى أن هذه الميليشيات لا تؤمن بالخيارات السياسية وان الحل الأمثل لإيقافها يتمثل في ممارسة الضغط العسكري عليها حتى تنصاع إلى السلام.
وتنطلق قناعة الحكومة اليمنية الثابتة بأنه لا يمكن أن يكتب النجاح لأي تسوية سلمية في اليمن دون اتفاق اليمنيين على حل مشاكلهم الداخلية وفقاً للمرجعيات الثلاث المتفق عليها داخلياً، والمدعومة إقليمياً ودولياً، والتي أقرت سبل وآليات التوزيع العادل للسلطة والثروة بين كافة أبناء الشعب اليمني على اختلاف توجهاتهم السياسية والاجتماعية وانتماءاتهم الجهوية دون تمييز.
وهناك ايمان راسخ لدى الحكومة اليمنية ان الجماعة الحوثية تعمل بتكتيكات متنوعة في سبيل عرقلة جهود السلام وابتزاز المجتمع الدولي وتقديم مصالح إيران على مصالح الشعب اليمني، وتتعامل مع جهود احلال السلام وكذا مع اي هدنة انسانية كمعركة سياسية وفرصة للابتزاز .
ومن هنا فقد تجاوبت الحكومة اليمنية وفتحت اذانها وسمعت لصوت المجتمع الدولي والاقليمي الواضح في دعوته للسلام وتجاوبت معه بكل إخلاص وصدق ،ولكنها لم تسمع نفس القوة والوضوح في إدانة عرقلة الحوثيين ورفضهم للسلام خاصة من القوى الدولية الفاعلة، وبذلك فهي اكدت وفي اكثر من محفل أن السلام ليس مجرد رغبة ولكن شروط موضوعية تتخلق داخل السياسة والتاريخ عبر مرجعيات وقوة القانون ووضوح الموقف الإنساني والتضامن ، وأن السلام الذي ينشده اليمنيون يعني بوضوح وقف الحرب والاستبداد والممارسات التمييزية الاستعلائية للجماعة الحوثية.
وتؤكد الحكومة هدر الحوثيين لفرص إحلال السلام ففي كل مرة تتشكل فيها فرصة للسلام تختار مليشيا الحوثي ومن ورائها النظام الإيراني هدرها، مفضلة خيار الحرب، وفي محطات مختلفة منذ 2004 مرورا ب 2014 والى اليوم 2023 فالجماعة الحوثية تختار الحرب وترى في كل مسعى صادق للسلام دلائل ضعف وفي كل جهد اقليمي ودولي فرصة للابتزاز والنهب.
فالحكومة الشرعية اليمنية موقفها واضحا ومعلنا ، فهي تتمسُّك بالقرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن في العام 2015 بشأن اليمن، والذي يدعو جماعة الحوثي إلى الانسحاب من المناطق التي اجتاحتها بقوة السلاح، والعودة إلى المسار السياسي بموجب المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، في حين ترفض جماعة الحوثي تماماً تطبيق هذا القرار جملة وتفصيلا ، بل لا يبدو أن قبولها وانصياعها باي تسويات اخرى مقاربة ولو في حدها الادنى لعودة الوضع لما كان عليه قبل انقلابها ، وذلك بسبب قناعتها بحقها في فرض شروط ومطالب أكبر مما حققته ، وتمسكها بنتائج انقلابها على الحكومة الشرعية بل والتطلع لتكريسه على بقية مناطق اليمن .
وجاءت الهدنة وخاصة بعد الاعلان عن مجلس القيادة الرئاسي باعتباره معنيًّا بإنهاء الحرب، والوصول إلى تسوية سياسية مع الحوثيين. وقد كانت الهدنة مناسبة لإعادة ترتيب وضع السلطة “الشَّرعية”، المعترف بها دوليًّا، غير أنَّ التناقض الكبير بين مكوِّناتها، وغياب الحرب مع الحوثيين أدَّى إلى إثارة الصراع والتنافس بين مكوِّناتها الرئيسة ،وإضافة إلى ذلك تدهور وتفاقم الوضع الاقتصادي والخدمي في المناطق المحررة، وكنتيجة لفشل الحكومة الشرعية برئاسة الدكتور معين عبدالملك في اداء مهامها ، اضافة الى تمكُّن الحوثيين مِن إيقاف تصدير النَّفط من حضرموت وشبوة بعد هجماتهم على مينائي الضبة بحضرموت والنشيمة بشبوة منذ اكثر من عام.
ومع التطورات الاخيرة فقد اكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور/ رشاد محمد العليمي انفتاح المجلس والحكومة على كافة المبادرات والمساعي الحميدة لتخفيف معاناة الشعب اليمني، وتحقيق تطلعاته في استعادة مؤسسات الدولة، والامن والاستقرار، والتنمية كما أكد على دعم المجلس والحكومة لجهود الامم المتحدة، ومبعوثها الخاص والحرص على تقديم كافة التسهيلات للوفاء بمهامه ومسؤولياته المشمولة بقرارات الشرعية الدولية وعلى وجه الخصوص القرار 2216 ، ودعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي المجتمع الدولي الى ضرورة ممارسة اقصى الضغوط على المليشيات الحوثية ودفعها نحو التعاطي الجاد مع جهود السلام الجارية التي تحرص فيها الحكومة الشرعية على توسيع الفوائد الانسانية للمواطنين، وفي المقدمة دفع مرتبات الموظفين في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرة المليشيات الحوثية.
فيما رحبت وزارة الخارجية اليمنية بالبيان الصادر عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن هانس جروندبيرج بشأن الجهود المبذولة للتوصل لخارطة طريق برعاية الامم المتحدة لأنهاء الحرب التي تسببت بها مليشيا الحوثي ، وجددت الوزارة التأكيد على تعاملها الايجابي مع كافة المبادرات الهادفة لتسوية الازمة في اليمن بالوسائل السلمية وفقا للمرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الامن ٢٢١٦، وبما يحقق تطلعات وآمال الشعب اليمني.
واعربت الوزارة عن شكرها لكافة الجهود التي بذلها الاشقاء في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان للدفع قدما بالتسوية واستئناف العملية السياسية