من فصيح الحضارم .. الطاسة
حضرموت حُرّة/ بقلم: عدنان مقرم
يسمي الحضارم إناء المرق أو وعاء “الثلج” ونحوه وبالذات المصنوع من المعدن بالطاسة فيقولون طاسة الثلج وطاسة المرق.
قم ليل يا باسيف كسروا طاسة المتهنجمة
لي دخلوا المطبخ عشية والحراسة نايمين – مبارك باعكيم
ويجمعونها على طاسات وطُوس وفي بعض المناطق يقولون “طويس”.
وقديمًا كانت العرب تسمي وعاء الأكل “قصعة أو جفنة” وهما من الخَزَف ونحوه، أما الآن فالقصعة عندنا هي العلبة المعدنية كعلبة الفاصوليا أو الطماطم أو الفول المعلب، والجفنة هي الوعاء الكبير الذي يوضع فيه طعام الماشية من خبز وماء وبقايا الطعام.
” يُوشكُ أن تداعى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها” – حديث شريف
وَرِثْتُمْ عَنْ الجَارُودِ قِدْراً وَجَفنةً ** كَثِيراً إذا احْمَرّ الشّتَاءُ عِيالُها – الفرزدق
في بعض القواميس نجد أن “الطَّاس” هو إِناءٌ من نُحاس ونحوِه يُشْرَبُ فيه أَو به، والجمع طاسات.
وتتقارب اللغات الأوربية مع العربية لتسمية الكوب بالطاس ففي الفرنسية “تاس” وفي الاسبانية “تازا” في الإيطالية “تازّا” بتشديد الزاء وفي الألمانية “طاسِه” بترقيق السين.
كان هناك ما يسمى بـ”طاسة الرعب” أو “طاسة الخضّة أو المحو” فقد كان الاعتقاد بنجاعة الشرب من وعاء كُتِبَ به نصوص مقدسة للتداوي من الخوف، ترجع إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين حيث وجد الآثاريون أمثلة لها يسمونها بالطَّاس السحري.
وكثير من الشعراء يرون أن الطاس هو إناء شبيه بالكأس أو الكوب إذ لا يذكرونها إلا مقرونة بالشرب وستلاحظون ذلك في كل الأمثلة الشعرية.
قَسَم الدهرَ بين طاسٍ وكأس ** ثم خِلٍّ مساعد ومُغنِّ – ابن الرومي
أَلا عُدَّ لي بباطيَةٍ وكاسِ ** وَرعْ همِّي بإبريقٍ وطاسِ – السري الرفاء
فالطاس هي الفصيحة، ويقال أن الطَاسَة أخصّ من الطَاس وهي الإناء من المعدن لا يد له يُشرب به الماء أو الحليب أو غيره من الشراب البارد وهي أيضًا إناء صغير يوضع به ماء ويعدّ على المائدة ليغسل فيه الآكل أصابعه.
لكن يظل الطاس أو الطاسة هي الإناء من المعدن سواء كان يستخدم للشرب منه مباشرة أو لحفظ السائل وتقديمه. والعامةُ يقولون : طاسَةٌ ويجمعونها على طاسات.
يا طِيبَهُمْ، وعَتِيقُ الرّاحِ تحفَتُهم **
بكلّ نوْعٍ من الطاساتِ رَحراحِ – أبو نواس
وتريك خيط الصبح مفتولا إذا **
مرقت من الراووق في الطاسات – ابن النبيه
والراووق هي المصفاة أو الكأس والجمع رَوَاوِيقُ.
في الشام يقولون زبدية وهي من الخزف المحروق المطليّ بالميناء، وفي مصر سلطانية وعند بعض العرب مطيبة، والطاسة الصغيرة في الهندية هي كتّورا ، و قد استخدم أجدادنا الحضارم هذه اللفظة طويلًا حتى العهد القريب إلا أن الكتورا اختصت بالإناء الصغير وهي للزيت القليل أو لمعجون و صلصة الفلفل الحار “البسباس”.
الكبير من الطاس يسميه الحضارم بـ (الغافقي) وفي القاموس ” غَفقَ الظَّمْآنُ أي كَثُرَ شُرْبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى”.
ويقول الحضارم غافقي شُربة أو غافقي مرق، وهناك إناء آخر يسمونه “صَحْفَة” وهو أقرب للصحن منه للوعاء، وهي عربية أصيلة والجمع : صِحَافٌ.
هناك نوع من الآنية يسمونه “الهُورِي” وهو صحن بيضوي الشكل أشبه بقارب الصيد “الهوري” وهو متوسط الكبر ويستخدم لأكل الأرز ووضع الفواكه.
في بعض البلدان فالغافقي هو حب اللوبيا الأحمر وهو حار في الدرجة الأولى و ماؤه المطبوخ ينقي دم النفاس.
يأتي زعيم الآنية في البيت الحضرمي وهو الطست، والطست كلمة فارسية الأصل أصلها تَشْت، وتعني الإناءٌ الكبيرٌ المستديرٌ من نحاس أَو ألومنيوم أو بلاستيك أو نحوه، يغسل فيه ويطبخ فيه الوجبات اليومية كالأرز والشربة والدير “الدجر”.
والقَنِّة طستٌ مدور لكنها صغيرة الارتفاع والحواف وذلك لتسهيل عملية غسل الثياب ومرس الرز وغسل الأيدي بعد الأكل وغيرها من الاستخدامات المنزلية الأخرى.
ابتعدنا عن الطاسة ونرجع إليها لنقول ..
تقليديًا يزيّن الطاس بالنقوش ويصنع من الصُفْر أو الفِضَّة أو الذَهَب وفي العصر الحديث شاع صنعه من الفولاذ أو الحديد الغير قابل للصدأ أو “الستانلس ستيل”.
إذا اشتَعَلَتْ في الطّاسِ والكاسِ نارُها **
صليتُ بها منْ راحتي ناعمٍ لدنِ – أبو تمام
كأنني شاربٌ من ذكرهم ثَمِلٌ **
لذ يعل بخمر الطاس والكوب – النابغة الشيباني
وإذا طفت في دول عربية ستجد أنهم يطلقون اسم “طاسة” على تاوة إطار السيارة وعلى المقلاة، و”طاسة قهوة و طاسة شاهي” وطاسة مرق وطاسة الكيك.
من طريف ما عرفت أن هناك لعبة شعبية عربية تسمى “الطاسة” وهي تختلف كليًا عن لعبة ” العِّـدِة ” التراثية الحضرمية والتي يسميها أجدادنا “طاسة” أيضًا والتي يبدو أنها سُميت على اسم الآلة الإيقاعية!
ذا فصل والثاني عوَر لي ما يشوف الشارقة
وصْقع لي ما يسمع الطاسة وحنّات الطبول – سعيد بن حريز.
تعال شف بوك فقعوا له بالطُوس والمرافع
واحد فقع له بهاير و آخر فقع له بمرواس – حسين المحضار.
ومن الألغاز القديمة الشهيرة قولهم “طاسة ترن طاسة في البحر غطاسة” فهل عرفتم الحل؟