رأي

في دعم المعلمين ..ماهو دَورُ المجتمع ؟

حضرموت حُرّة/  بقلم: أحمد باصهي

      يحتفظ كلُ واحدٍ منا بذكرى جميلة أو صورة ذهنية رائعة أو موقف إيجابي يأبى النسيان من أحد معلميه الأفاضل الذين أسهموا بشكل أو بآخر في تنشئةِ نفسه وغرسها بكل ماهو جميل وصياغة منهجية التفكير لديه بكل منهج أصيل .
حيث كان المعلم ولايزال يحتل مكانة مرموقة في الوجدان الإنساني في أرجاء المعمورة ، يقدمونه حيثما حضر ويسمعون له إن تكلم ويتخذونه قدوةً كمتعهدٍ حصري لممارسة كل خُلُقٍ فاضل و سلوكٍ منضبط ، وهذه هي صورته في بلادنا ووجداننا يوم أن كنا قريبي عهد بكل جميل في حياتنا رغم شحة الموارد حينها وبساطة العيش آنذاك ، فكانت الندرة في كل شي حافزاً لنا لنعرف قيمة كل شي ونعضُ عليه بالنواجذ .
وما أن تكاثر الناس وتطورت الحياة وأزّينت ،  تنكرنا لكل ذي فضل علينا وأصبح المعلم يشق طريقه بصعوبة بالغة في تضاريس الحياة اليومية المتشعبة في وقت ماعاد الأهلون هم الأهلون ولا الطلاب هم الطلاب عدا المباني المدرسية صامتات موحيات شاهدات على معاناة هذا المبجّل ومصيبته كما قال الأستاذ ابراهيم طوقان في معارضته لأمير الشعراء شوقي رحمهما الله تعالى .
شوقي يقولُ ومادرى بمصيبتي       كاد المعلمُ أن يكونَ رسولا
إنّ تاريخ حضرموت بل وحاضرها القريب يشهدان بدور فعّال للمجتمع ومساهماته في دعم التعليم ومؤازرة المعلمين وإنشأ المدارس الأهلية حين كانت الأوضاع العامة في البلاد أفضل مما هي عليه اليوم من الأمان والاستقرار فما بالنا اليوم والأوضاع قد ساءت حيث تُهدم أسوارنا تباعاً وتُخترق حصوننا واحداً تلو الآخر بينما نحن متفرجين صامتين وفي غفلة سادرين وبلادنا تُنقص من أطرافها ودولتنا محجورٌ
عليها من الأقارب والأباعد بدعوى السّفه والطيش ومآربَ أخرى ، لذلك لا مناصَ من رصّ صفوف المجتمع وأخذ زمام المبادرة بالذود عن حياض قلاعنا الغالية وأسوارنا الأخيرة حيث يأتي التعليم في مقدمتها وفي الصميم منه المعلم الذي يمثل محور العملية التربوية والتعليمية بإجماعٍ قلّ نظيره في مختلف الأدبيات والنظريات الإجتماعية .
وانطلاقاً من هذه الحيثيات فنحن مدعوون فُرادى ومُجتمعين بمؤسساتنا التنموية المنتشرة في أنحاءَ واسعةٍ من البلاد ،  ونقاط الدعم الخيري سواءً كانت مؤسساتٍ أو أفراداً إلى أن نُولي اهتماما خاصا وجهودا ملموسة وآليات عملية لدعم المعلمين من خلال إعادة النظر في سلّم أولويات الدعم والإنفاق على مجالات العمل الخيري والمساهمات المجتمعية ، فليس من اللائق أن نتداعى بحماس وننفق بسخاء على مشاريع تسوير المقابر وزخرفة المساجد بينما يعود معلمو أبنائنا وبناتنا إلى بيوتهم مثقلةٌ كواهلُهم من عناء التفكير في غلاء الأسعار وتدبير شؤون عائلاتهم بعد يوم شاق من التدريس والإنصراف عن شؤونهم الخاصة إلى ما يُصلح أجيال المستقبل وتمكينهم تربويا وعلميا وغرس الأمل في نفوسهم بغد أفضل .
كما أن تسابق الجمعيات في توزيع الحقيبة المدرسية بصورة مكررة كل عام في تقليد مستنسخ للفكرة من قِبل كل الجمعيات حتى لو كان مجال عملها في مربع جغرافي واحد وما يصاحب ذلك من مظاهر احتفالية ودعائية وخلق قوة شرائية عارمة للمواد القرطاسية والمستلزمات المدرسية فترتفع أسعارها حتى أن بعض الطلاب يستلم حقيبتين من جمعيتين مختلفتين في نفس المنطقة الجغرافية وهو دعم للطلاب تستحق تلك الجمعيات عليه كل  الشكر والتقدير ولكن بمزيد من التخطيط وترشيد الموارد نستطيع أن نجعل لمدرسي كل منطقة سهما ونصيبا من هذه الموارد المخصصة أساسا لدعم التعليم بمجالاته المختلفة معلمين وطلاباً .
ولعله من نافلة القول أن نؤكد وبوضوح أن دعوتنا للمجتمع بتحمل ولو جزء من المسئولية لاتعني بأي حال من الأحوال إعفاء الدولة من هذه المسئولية الجسيمة وهي التي تستحوذ عل كل موارد البلاد من الثروات والإيرادات ولكن في ظل اختلاط الحابل بالنابل الذي نشهده حاليا يبقى المجتمع هو من يُعول عليه ويُراهن على حُسنِ فهمه وتدبره للأمور .
وكذلك حسن تنظيم المعلمين لأنفسهم ووضوح رسالتهم المطلبية وصياغتها بواقعية تراعي الظروف الراهنة للمجتمع وتسخير كافة المنابر والوسائل والوسائط الإعلامية ليعلم الناس ماهية تلك المطالب وكيف ممكن أن يساهموا ولو بجزء منها .   
خصوصا أن حضرموت تستعد لإستضافة ملتقى شركاء جودة التعليم في اليمن نهاية أغسطس الجاري  وهو مايجدر بنا أن نجد السبل العملية والمستدامة لتحسين أوضاع المعلمين كونهم يمثلون ذروة سنام العملية التربوية والتعليمية برمتها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى