ثقافة

صراخ الجدران “قصة قصيرة”

حضرموت حُرّة/ محمد سالم المرفدي

يتيمة تلك الجدران عندما تموت المدينة بين أحضان الرصاص ، تتوقف فيها عقارب الساعة أو بالكاد تسير – ملل ، وخوف ، وأمل – الناس في المدينة يسعون لذكر الإله صباحاً ومساء يحملون على عاتقهم هم الحياة ، لا شيء في المدينة يثني الرياح عن السير في عكس الاتجاه إلا تقوى الله … قال لي عاقلها إن الأيادي البيضاء قد تلطخت حتى صار لا يعرف لونها ، و إن آهات الثكالى تخاطب الليل سرمداً من يعيد لنا أبناءنا ؟!! سكوت قد كسى الإسفلت وأشباه الرجال ، سكوت الجم أفواههم – المدينة تغرق – وتموت في أسفل الوادي بقايا الحرف على صدور الصبايا ، والبحر حين يخاطب أمواجه تنطق الصخور غضباً فتلتهما الرمال ، عبثاً يا بني تجاور بيوتنا قناديل المساء – الليل مظلم – وعتمة القلوب أثقلتها وحشة الوجوه … الجدران تصرخ بأعلى صوتها فلا يسمع صداه ، تبحث عن سكانها والرصاص قد مزق جسدها فلا يصل مدى صوتها إلى الحاكم ، الموت – أيها القادمون من وهم الخيال – يداوينا يزرع فينا أملاً (ويولد منا طفلاً يعاديكم) أيها العرب ارحموا العرب صراخ هنا وهناك . لقد تعبت ألسنتنا فتباً لما كسبت أياديكم ، سيظل دعاء الجدران يتصل بحبل الله .. السنين قد جفت أيامها وسنابل يوسف ندخرها لأمل قد نصنعه أو تصنعه جدران مدينتنا عفواً من
أنت ؟! قالها عاقلها وعيناه شاحبتان وجسمه منهك من كثر الكلام ورعشة يديه السمراوين تذوبان من العرق ، قل لي بربك من أنت ؟! كلامه الذي مر على مسمعي يدوي في أذنيَّ فلم أنبس ببنت شفة ، قال لي لو سمحت أغلق الباب سأسجلك آخر الداخلين ولا تبتسم ، والبس ما شئت من الثياب وارتمي على كتف مدينتنا لنبكِ معاً على موت ضمائرنا ، لو سمحت أغلق الباب ، فالمدينة لا تتحمل عبث السفهاء … استفزني كلامه والساعة تشير إلى الغروب ورائحة النسيم يصل مداها إلى نافذة تشرف على البحر ، قال لي لا تغلقها لعل الشجر حين يرتوي يصنع أغصاناً ، أقول لك أغلق الباب الموت يحاصرنا من كل صوب حاولت جاهداً ثنيه من هذا الوهم الذي عشعش عليه وقلت له الحب عندما يذبل لا يموت ، انظر إلى السماء وشاهد نجوم مدينتك هل تختلف عن أي مدينة أخرى ؟! قال لي لا ، فعندما تسقط السماء لا يصلك إلا قدر حجمك وأعلم أن ذنباً قد ارتكبته مدينتك فكان الجزاء من جنس العمل ،.. هدأ وهدأت جوارحه وقال لي إذن إرتمي على كتفي لنرقص سوياً فالطريق لكلينا معاً يرتسم ثم ما لبث أن نهض بقوة وبصوت جهورياً قال : من قال لك أننا ظالمون ؟ من قال لك أننا خلف الجدران تائهون ؟! من قال لك أننا مستسلمون ؟! استفزني ما شئت من وهم الكلام ، الجرح يتصبب دماً وعيوننا الحمراء يملأها الشرر ، قلت له لا تشعل مصباحاً كي ترى الفجر ، وإنما أيقظ ضميرك لينير طريقك ولا تنظر إلى الداخلين عبر أسوار مدينتك وانتظرني خلف تلك الشجرة لعل الصبح يأتي بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى