الأناشيــــد في الشعـــر الحضـــرمي
حضرموت حُرّة/ بقلم: د. أحمد هادي باحارثة
تعد الأناشيد من صنوف الشعر الحديثة في أدبنا العربي، وقد برزت بنوعيها الوطني والمدرسي في أشعار كثير من شعراء العربية المحدثين كأحمد شوقي ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم، ووضعت المعايير التي تميزه عن غيره من الأغراض الشعرية ولاسيما المقاربة له كغرضي الفخر والحماسة.
وفي أدبنا الحضرمي لم يكد يخلو أحد من شعراء حضرموت إلا وله أنشودة أو بعض الأناشيد في شعره يتغنى بالوطن أو يمجد العلم والمدرسة، كابن عبيد الله السقاف وصالح الحامد ومحمد الشاطري وحسن السقاف وعلي أحمد باكثير وأحمد عبد الله السقاف وغيرهم.
فابن عبيد الله السقاف له نشيد مدرسي من مجزوء الرجز يوجه إلى طلبة أحد المدارس بمدينة الشحر، ومما قاله فيه:
جـدوا فإن اليُمـن لاح ونتيجـة الجهـد الفلاح
هـذي تباشـير النجـاح وعـلى إلهـكم التمـام
واستشـعروا أن البـلاد من قبـل فيها العلم ساد
ولـذاك سـموها سـعاد قد أنجبـتكم من همـام
ومن أناشيد صالح الحامد قوله في أنشودة من المتقارب :
أناشـــــــئة الـمجـد إن المـنى تهيب بكم من وراء الزمن
هلمــوا فلا حـبذا من ونى ولم يفـن في دينه والوطن
دعاة السلام وأسد الشرى وفينا الرجـاء وفينا الخطر
فلا حبذا العيـش إن لم نرَ مثال الكرامـة بين البشر
وله نشيد آخر نظمه لإحدى مدارس المهاجرين الحضارمة بسنغافورة، تراوح وزنه بين مجزوء الرجز ومجزوء الكامل، فلازمته الميمية التزمت الرجز:
نحن الشباب في الأمم روح الطموح والشمم
بنا يقـام حائط الـ ـمجد ويرفـع العلم
وللشاطري أنشودة مدرسية من المتقارب يقول منها:
بضرب السيوف وطعن الرماح تنال الشعوب سبيل النجاح
ونحن نقـول بكــــــــــل ارتيـاح وهبـناك أرواحـنا يا وطن
لنا همم في اكتسـاب العلوم تخـر لها عاليـات النجوم
لنـدرك من علمـنا ما نروم ونخلـع عنا قيـود المنـن
وأنشد حسن السقاف لإحدى مدارس تريم من المتدارك:
يا عـين الله أحيطينا وخذي يا عين بأيدينا
إن الأحقاف تنادينا بارك يا رب مساعينا
وادينا حن لماضـيه وأثاب إليـنا يبكيه
فأجـبنا نحـن نلبيه إنا نفديه ويفـدينا
وله نشيد وطني من مجزوء الرمل يقول في مطلعه:
فاخري يا أخـت عاد فاخـري كـل بـلاد
وانطقي يا دار بالبيـ ـض المواضي والصعاد
ويستمر على ذلك الوزن في أربعة مقاطع، لكنه يتحول في المقطع الخامس الأخير إلى بحر الخفيف حيث يقول:
طلع الفجر حضرموت فهبي لات يا حضرموت وقت رقاد
أما الشاعر المهجري أحمد عبد الله السقاف فأكثر من نظم الأناشيد حتى جمع مجموعة مستقلة منها، وقد نظمها لبعض مدارس المهجر الحضرمي الآسيوي.
ونلاحظ خلطًا عند أكثر شعرائنا بين الأنشودة بمفهومها العصري وغرضي الفخر والحماسة المعروفين في القصائد العربية، حيث نراهم في النشيد المدرسي يتغلب النفس الفخري الحماسي القائم على الاعتزاز المفرط بالذات واللجوء للسلاح والاستشهاد على الجانب الإنشادي القائم على التوجيه والإرشاد وتمجيد الفضائل والقيم.
وقد اعتمدوا الأوزان الخفيفة السريعة الإيقاع كالمتقارب والمتدارك، وعلى المجزوءات كمجزوء الرجز والكامل، والألفاظ الرشيقة التي يشوبها أحيانًا بعض الألفاظ الشديدة الجزالة والتي تسربت إليها بفعل ما أشرنا من النفس الفخري الحماسي المتأثر بالقصيدة القديمة، وعمومًا فإن الأناشيد في أدبنا الحضرمي بحاجة لدراسة عميقة تجلي خصائصها العامة الموضوعية والفنية.
وأعطى بعض شعراء حضرموت لأناشيدهم أبعادًا قومية وإسلامية ولاسيما الشاعر علي أحمد باكثير، ومن ذلك أنشودة من مجزوء الكامل للشاعر أحمد بن علي بافقيه حيث يقول:
يا أمتي يا من حملـ ـت إلى الورى أسمى رسالة
ونشرت نور الحق يسـ ـطع ماحيًا سحب الضلالة
ورسمت للدنيا دسا تـير المحــبة والعـدالة
إنا عقدنا العزم أن نحـيي تراثك في عجـالة
وأكثر أناشيد تمت دراستها لشاعر حضرمي هو الشاعر علي باكثير، ومن دلالات أناشيد باكثير ترسيخ فكرة أن الإسلام دين سلام والمحبة، مثل نشيده الذي يحمل عنوان (لحن السلام) ومنه قوله:
ما للـــورى يعادي بعضـهمُ بعضـا
بالـحـرب والجلادِ قد شوهوا الأرضا
لا حرب منذ اليومِ بين بني الإنسـان
فكل قـــــوم قومي وفاز ذو الإحسان
بالـحب والسـلام سنسـعد الدنيـا
نعيــــــــــش في وئـام لا ظلـم لا بغيـا
والدلالة الأخرى هي الأمل في مستقبل جديد مشرق لوطنه يستعيد فيه عزته ومكانته السابقة، ومن ذلك قول باكثير:
يا دولة الـجـنوب يا بلسـم الجراح
في ظلمة الخطوب أشرقت كالصباح
اللــه أكــبر
في يومـك العظيم
عــاد وحمــير
هبـّا من الرمـيم