إنه ليس أبي..
حضرموت حُرّة/ بقلم: عبدالله مطهر باعباد
أتذكر يوما ما عندما كنت لا أعي جيدا ولا أنتبه لما يدور حولي، بل وكنت أفكر بأن الجميع يحمل هم إسعادي فقط مثلما يفعل أبي عند توديعي إلى المدرسة من على حافة باب المنزل ويعطيني بعض النقود .. وأمي تعطيني شيء من الخبز والشراب أعدته لي مسبقا كوجبة صباحية ..ووأتذكر أيضاً قولهما لي: انتبه لما يقول المعلم وركز في دورسك.
وبالفعل أخذت النصيحة منهما على محمل الجد وكان الدرس ذلك اليوم في لغتي العربية عن شخص يدعى مهيوب على ما أذكر .. كان يساعد أباه في الحقل أو شي هكذا وكنا نردد سويا جملة: (أنا أساعد أبي) بصوت جلي ومرتفع مراراً وتكراراً وربما كنا نشير إلى أبي مهيوب في صورة الدرس ونكرر العملية “أنا أساعد أبي في الحقل” وهكذا وبينما كنا كذلك رفع زميلي يده فقال له معلمي: تفضل ماذا تريد؟ فقال زميلي بثقه عمياء: إنه ليس أبي. فضحك من بالصف جميعاً بما فيهم المعلم غير ذلك الطالب الذي أصرّ، فقال له المعلم: نعم إنه ليس أبا أحد منكم، إنها صورة ولكن القصد منها أن تدرك أنت كيف تساعد أباك الحقيقي، فهذا مثال لاغير، وأنا أيضا كنت أفهم من ذلك الدرس ما قاله المعلم وجميع زملائي فهموا ذلك .. ثم أمر معلمي أن يجلس ذلك الطالب فجلس وأكمل المعلم الدرس وخرج وحينما كنا في استراحة قصيرة كنا نستهزئ بزميلنا على فعله وكان يقول: هذا الرجل مجنون، وأبي ليس كذلك .. ألا ترون أنه يرتدي معطفا والجو هنا حار جدا طوال العام تقريباً، إنه ليس أبي ليس أبي وربما جلسنا فترة الاستراحة كاملة نقول له نعلم بذلك ولكن عليك التركيز في المضمون .. ولم يتراجع أبدا.
ومرت الأيام والأيام إلى أن أدركت أنه كان على صواب ونحن من كنّا على خطأ .. نعم صدق إن أبي لا يرتدي ثوبا ولا معطفا فكيف والجو حار ..إذا بلاشك أنه كذالك ليس أبي.
من ذاك الغريب إذا؟! وماذا يعمل أبوه في منتصف كتابي؟! ومن أين أتى؟! وكيف له أن يزرع العنب والرمان؟! أليس أحرى أن يزرع البصل والسدر وجوز الهند؟! إنه وابنه يعبثان بنظام الأرض.
مستحيل فأرضي لاتزرع مايقول إطلاقاً هذا الرجل مجنون مثلما ذكرت ياصديقي.. نحن لا نعرف هذا الغريب.. فهيا بنا جميعا نخرجه من كتبنا نخرجه من مناهجنا الدراسية فهو ليس أباك وأنه حتماً ليس أبي .