رأي

كيف نختلف ؟


حضرموت حُرّة/ بقلم: أحمد باصهي

إنً من يٌلقي نظرةً عجلى على وسائل التواصل الإجتماعي فضلا عن أن يتعمق في محتواها وأساليب وألفاظ ذلك المحتوى سيرى العجبَ العُجاب مما يجري تداوله في تلك المواقع من أطاريحَ وحواراتٍ ومساحاتٍ للنقاش يرتفعُ فيها الصوت وتهبطُ فيها الألفاظ إلى دركاتٍ سحيقة وفجاجٍ عميقة بعيداً عن اللباقة والأناقة واللياقة بكل ماتحمله هذه الكلمات الثلاث من دلالات كسوة اللفظ جمالا ليزداد المعنى قبولا في نفس المتلقي كما جاء في حِكم ابن الرومي :

تقولُ هذا جنى النحلِ تمدحُهُ وإن تشأ قلتَ ذا قئُ الزنابيرِ
مدحاً وذمّاً وماجاوزتَ وصفهما والحقُ قد يعتريه سوءُ تعبيرِ
حتى بات علينا كمهتمين برسمِ أُطُرٍ تأسيسية لثورة وعي جديد ونهضة ثقافية ننشدُها جميعا وتتوقُ لها أنفسُنا ، أن نتداعى ونتواصى فيما بيننا من خلال هذه المساحات الحرة والفضاءات الصحوة للرقي بخطابنا الفكري والثقافي والإعلامي مستوعبين جميع وجهات النظر وكل أبعاد الصورة ليكون اختلافنا لإثراء أفكارنا لا لإغتيالها ومصادرتها ، فنتقبل الرأي المخالف بهدؤ ومن دون تباغض أو انتقاص من قيمة ومكانة صاحب الرأي أياً كان مشربه او اتجاهه .
“وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكنّ المذمومَ بغيُ بعضهم على بعض وعدوانه” ( إعلام الموقعين) شيخ الاسلام ابن القيّم رحمه الله تعالى .
ذلك أنّ الاختلاف يساعدنا على معرفة نقاط القوة والضعف في أنفسنا ومجتمعاتنا ، فقد علمتنا تجارب الشعوب وتاريخ العلوم والأفكار كيف أنّ جميع الاختراعات التي وصلت إليها البشرية كانت نتيجة مناقشات وحوارات واختلافات في الرأي تفتقتْ من أكمامها كلُ فكرة إبداعية جميلة طلعتْ عليها الشمسُ ذاتَ يوم .
كما أنّ النقاش الهادئ والعميق وتغيير زوايا النظر بما ينتج عنه في المحصّلة النهائية اختلافُ الآراء وتمازجُها أحياناً أو تضادها أحياناً أخرى يشكّلُ حلبةً مُدهشة ليبرهنَ المتحدثُ عقلانيته ورصانته أو هذيانه وخفته ، ومسرحاً رحباً ليثبتَ الإنسانُ انسانيته المتوثبة أو شيطانيته الدركية .
ومهما كان الخلاف جوهريا ، فإذا لزم النقد ،فلا يكون الباعث عليه الحقد ، وليكن موجها إلى الآراء بالتمحيص ، لا إلى الأشخاص بالتنقيص . كما يقول بذلك ثلةٌ من علماء المسلمين الأُول عليهم رحمة الله تعالى .
فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية وهي قوله تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها.. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك بحدث أحدثوه من اتباع الهوى وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فليس من الإسلام في شي . ( الاعتصام ) الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى .
وكلما دار الإجتماع البشري حول الأفكار كان في علوٍ من أمره ورقي في سيره نحو المعالي من الأمور ، بينما يفقد بوصلة اتجاهاته اذا كان همه مَنْ صاحب هذه الفكرة أو تلك ليكون ارتباطه بالأشخاص لا بالأفكار فلاتعنيه تفاصيل البرامج والأفكار ليعرف ماهو مؤداها وماهي غايتها بل يهتم كثيرا بصاحبها وقائلها والى أي حزب ينتمي أو من أي قبيلة ينحدر . وأقلّ شأنا من ذلك أن يٌنظر إلى مايملكه صاحب الفكرة من مالٍ أو يتسنّمه من جاه حتى يٌجمع كثيرٌ من الناس على فكرته ولو كانت غيرَ ذي بال .
لايزال طريق إستئناف الوعي طويلا ، ولابد من توبة الأنفة للتخلص من طبائع الإستبداد السلطوي والمجتمعي على تفاوت أعراضهما، والرجوع إلى المبادئ الأصيلة لتحرير عقولنا وأفكارنا مما علق بها من عصبيات وحزبيات وأهواء .
إذ لابد لنا من التحرر من عقدة النقص التي ربما بقيت تلازم بعضا منا والتنزه مما في دواخلنا من طباع الإستكانة والخوف والتفكير في الظلماء والكيد في الخفاء لبعضنا البعض وكيل التهم جزافا لكل من دق ناقوس الخطر أو حمل مشعل التنوير . فلنجعل من وسائل التواصل بيننا ومنابر التوجيه في مجتمعنا مصانع وعي ، لا معاول هدم ، ونسعى إلى أنسنتها بكل خلق رفيع بعيدا عن الحقد والكراهية وكل قول شنيع .
إنها دعوة للصفاء والتصافي والإخاء والتآخي والبحث عن المشتركات والكليات وأمهات المسائل حتى نستطيع النهوض من كبوتنا ونستشرف غدنا ومستقبلنا بأنفسٍ نقية وقلوبٍ تقية وعقولٍ ذكية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى