رواتب ( المتعاقدين ) .. و ( حمائم ) رمضان
حضرموت حُرّة/ بقلم: أحمد باحمادي
في عصرية كل يوم من شهر رمضان المبارك .. وبعد أن يأخذ جاري الشيخ ( حاج محمد ) قسطه من الذكر والتسبيح وقراءة القرآن في المسجد .. يعود إلى باحة ( حيوة ) بيته التقليدي القديم ليطعم كثيراً من الحمائم بفتات الخبز المتبقي معه والذي يحتفظ به خصيصاً لهنّ ـ رغم فقره وقلة ذات يده ـ.
وفي منظر بديع اهتزّ له قلبي تأثراً .. رأيت الحمائم تحيط به وتسعى من حوله بأمن واطمئنان .. وتحلّقُ من بين يديه ومن خلفه وهو يرمي لهنّ بفتات الطعام بأسلوب حمل الكثير من الرحمة ..
تذكرت حديث أَبي هريرة – رضي الله عنه – أَن رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قال: “بَينَا رجل يَمشِي فَاشتَد عَلَيهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئرًا فَشَرِبَ مِنهَا، ثم خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلب يَلهَثُ يَأكُلُ الثَّرَى من العَطَشِ، فَقَالَ : لَقَد بَلَغَ هَذَا مِثلُ الذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثم أَمسَكَهُ بِفِيهِ ثم رَقِيَ فَسَقَى الكَلبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِن لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجرًا ؟ قَالَ : “فِي كُل كَبِدٍ رَطبَةٍ أَجرٌ.
هذا الحديث وغيره مثال للرحمة والرأفة التي كان عليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهي نموذج رفيع للتوجيهات النبوية في العناية بالحيوان وإعطائه حقوقه .. فما بالكم بمن يمنعون حق مسلم دون سبب ..!!
ومن المعلوم أن دين المسلمين دين قائم على الرحمة، فربهم بهم رحيم ونبيهم بهم رحيم .. ووصفهم الله بأنهم رحماء بينهم .. وخلق الرحمة خلق حميد يحبه الله .. وأخبر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يرحم من عباده الرحماء.
وفي موقف مؤلم نعايشه في هذه الأيام الصعبة .. تذكرت معاناة إخواني المعلمين والمعلمات ( المتعاقدين ) الذي أوذوا في معاشهم وأرزاقهم بتأخير رواتبهم ـ مع قلتها وضآلتها ـ فوق الحد الذي يطيقون ..
حُجبت عنهم عمداً من قبل بعض المسؤولين ممن نزعت الرحمة من قلوبهم .. وهي علامة على شقاوة الإنسان والعياذ بالله ..
فكانوا كالقطة المحبوسة كماء ورد في الحديث النبوي : ( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت ) ..
فهؤلاء المتعاقدون حُبسوا بالعقود مع السلطة ولم يذهبوا إلى عمل آخر .
وبمقابل ذلك لم يفِ الطرف الآخر بإعطائهم حتى حقوقهم القليلة في وقتها المحدد ..
ونظراً لما يمرون به من وضع سيئ .. قرأت الكثير من أدعية الاحتساب ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) من المتعاقدين على من ظلمهم .. واستشعرت كذلك روح الصبر والثبات والإصرار على الصمود منهم .. ومقاومتهم حتى النصر وتحقيق المطالب المشروعة ..
مهما أراد الآخرون أن يشكلوا ضغطاً نفسياً عليهم ويبعثروا صفوفهم .. فسيحصل العكس وستعود السهام على من رماها
لقد عرف الجميع الوجه القاتم والروح السوداوية لأولئك الفسدة .. نعم كنّا نتوقع أن يضغطوا وأن يطعنوا من خلف الظهر .. لكن لم نكن نتوقع أن يختاروا ضربتهم في هذا التوقيت بالذات .. في رمضان والناس في أمس الاحتياج لتوفير أساسيات القوت ومتطلبات أبنائهم وأسرهم ..
إن ما فعلوه بالمتعاقدين اليوم هو مغامرة غير محسوبة العواقب سيعاينون ردة فعلها في القريب العاجل ..