ثقافة

الوعاس .. لغة الرعاة في بادية المشقاص

حضرموت حُرّة/ متابعات – كتبه / أبو أحمد العـجـيـلي


الوعاس مصطلح لغوي شعبي يطلق على مجموعة الأصوات التي يتواصل بها الراعي مع أغنامه وتسمى أيضاً بـ ” التحاب” و ” النعاق” والنعيق و”النبيش” وغيرها من المسميات المحلية الا ان مصطلح ‘الوعاس” يشمل جميع التسميات الدارجة في لهجة أهل بادية المشقاص شرق حضرموت.
وعند العرب قديماً نجد تسميات عديدة تطلق على صوت الراعي عندما يخاطب الأغنام منها “العيعاء” و “الحيحاء” ويقول أحدهم (يا عنز هذا شجر وماء عاعيت لو ينفعني العيعاء وقبل ذلك ذهب الحيحاء) وأغلب التسميات نجدها مشتقة من أصوات الاغنام مثل (الهسهاس) ويقال : راعٍ هسهاس وهساهس (إِذا رعى في الليل مخاطباً غنمه بـ “بهُس” .
وللتعرف أكثر عن معنى مصطلح “الوعاس” عند البحث في معاجم اللغة العربية نجد ألفاظ مقاربة ومختلفة قليلاً في المعنى مثل لفظ “وَعَسَ” في القاموس الجامع يقال وعس الدهر فلاناً : بمعنى حنكه و أحكمه وذكر أيضاً بمعنى “الأثر” وفي لسان العرب ذكر لفظ ” العسن” هو الرعي بالدواب وفي المعجم الرائد أوعست الجمال : أي سارت مسرعة وواعست الجمال بمعنى مدت أعناقها في السير ووسعت خطاها.

والوعاس في المصطلح المحلي الدارج يمكن تعريفه بأنه لغة الأتصال التي يستخدمها الراعي مع اغنامه وهي لغة خاصة تضم مجموعة من الاشتقاقات الصوتية والكلمات الرمزية المحاكية لأصوات الأغنام ومشتقة منها في الغالب وتتكون من ثلاثة او اربعة وتنطق بطريقة سريعة وتردد ألفاظها بشكل متكرر .
لذلك يعتبر الوعاس نوع من التواصل قد تنطبق عليه نظرية الفعل المنعكس الشرطي في علم النفس السلوكي عند بافلوف , لأن الأغنام تعرف وعاس او صوت راعيها فتتجاوب معه أكثر من غيره في تخاطر متبادل يمليه التعود .

ومن أجل التعرف أكثر عن الوعاس عند أهل البادية التقينا بأحد أبناء بادية المشقاص الشاب محمد العجيلي الذي أمضى سنوات طويلة في رعي الأغنام وكان لنا معه لقاء شيق كشف لنا من خلاله عن الكثير من أسرار لغة الرعاة وبعض الجوانب من الحياة اليومية في بادية حضرموت الشرقية .
يقول محمد :
عندنا الوعاس هو صوت الراعي مع اغنامه ويقال : وعس بمعنى نادى الراعي أغنامه أو وجهها أو زجرها ونسميه أيضا ” التحاب” بفتح حرف التاء والحاء وتختلف التسميات من منطقة ومن بادية الى أخرى مع أختلاف بسيط في أداء الاصوات ومخارج الحروف الا انها في الغالب متشابهة الى حد ما .
من أمثلة تلك الأصوات التي يرددها الرعاة قولهم :

(1) “بشابشت .. بشابشت” :
صوت لتوجيه الأغنام نحو المرعى وهو بمثابة إعلان عن بدء موعد الرعي وعندما سماع هذا الصوت تستعد الاغنام للإنطلاق وتقوم من مرابضها وتترك صغارها متوجهة نحو المرعى وهذا يسمى عندنا “السروح” او ” اليمام”
ويطلق على صوت السروح أسم “النبش” يقال نبشت بالغنم أي أنطلقت بها نحو المرعى .
ويطلق النبش أيضاً على رعي “البهم” صغار الاغنام وقت الصباح ويناديها الراعي بصوت مختلف عن بقية الأغنام بقوله ” بشت بشت” ” بط ..بط “والرعي خلال فترة الصباح يسمى “الضحاي” بينما في المساء يسمى “العشاي” .
وهناك تسمية أخرى تسمى “النعوق” او “النعيق” او “النعاق” يقال نعق الراعي بالغنم بمعنى ذهب بها مسرعاً دون التوقف للرعي وغالبا نعيق الأغنام يتم في حالة تكون المراعي في مكان بعيد او خلال الترحال والانتقال من مكان الى آخر .
*(2) ” وآآب .. وآآب ” :*

صوت الضحاي وهو عبارة نداء لحث الاغنام على الرعي خلال فترة الضحى .

(3) ” ياب توه .. ياب توه ” :
صوت يطلقه الراعي في منتصف النهار وهو عبارة عن نداء يوجه به الاغنام لحثها على الرعي وتناول مزيد من الكلاء قبل الأنصراف و العودة .
وأحيانا يوعس به الراعي عندما يكون منهمك بتحضير وجبة الغداء وقت الظهيرة يردد هذا الصوت بين الفينة والاخرى لتأنس الأغنام بصوته ويشعرها بوجوده حتى لا تبتعد عنه كثيراً .

(4) “عبهع وع حيه .. عبهع وع حيه” :
نداء يطلقه الراعي عندما يقترب مع أغنامه من مورد الماء لحث اغنامه على التوجه نحو مكان السقي وموقع تواجد المياه .

(5) ” دريد .. دريد . دريد” :
صوت يطلقه الراعي لحث الاغنام على تناول مزيد من المياه قبل الأنصراف للظل والراحة فترة من الزمن وهذه الفترة تسمى “نهال” “تعطين” تأخذ الأغنام خلاله فترة من الراحة مايقارب الساعة على ضفاف موارد المياه قبل العودة مجدداً للشرب للمرة الثانية.

(6) “دريد وععلن .. دريد وععلن” :
هذا يسمى صوت “العلول” والعلول هو عودة الأغنام للشرب للمرة الثانية قبل المغادرة
وفي شرب العلول يقوم الراعي بتعبئة قربة الماء ويصبه في وعاء بمكان ضيق عند مخرج الأغنام من على مورد المياه بينما تمر الاغنام تباعاً وتشرب منه الشربة الاخيرة عند المغادرة .

(7) “دريد ونشرن …دريد ونشرن” :
صوت يطلقه الراعي وهو بمثابة الأنذار الاخير للعلول قبيل ألانصراف من العلول ومغادرة موارد المياه وهذا آخر مراحل سقي الأغنام.

(8) “عيهيع.. عيهيع” :
صوت يطلقه الراعي لحث الأغنام على ترك المرعى والاستعداد للمغادرة وهو إعلان عن أنتهاء فترة الرعي والعودة للسكن ويسمى (الصراف)


(9) “حت حت .. حت حت ” :
نداء يطلقه الراعي عند مناداة اغنامه سواء بهدف حلبها او تناولها العلف .
فعندما يعثر الراعي على ثمار “الحلبة” في أشجار السمر يستخدم عصاء طويلة تسمى “المخباط ” لهز أغصان السمر لتتساقط ثمارها منادياً على أغنامه بالقول “حت حت حت” حاثاً أغنامه على تناول ثمار الاشجار .
وبالمقابل ينادي على “البهم ” صغار الاغنام بقوله : (هاها .. هاها) .

(10) “بهاع…. بهاع” :
تستخدم لزجر الأغنام
“يع حله …. يع حله”
نداء لزجر الاغنام أو توجيهها الى مكان معين ومن أصوات الزجر أيضاً (أشش أشش) (تيت …تيت)
(هش ..هش)

(11) “عؤه …عؤه” :
نداء يستخدم الراعي لتخويف الماشية في حال أبتعادها عنه وهو نداء محاكي لصوت القرود ومن المعروف ان الأغنام تخشى القرود ولذلك عندما تسمع هذا الصوت تعود مذعورة الى الراعي .

(12) “تب تع …. تبع تع” :
تقال عندما يختلط قطيع الأغنام مع قطيع آخر يتم فصلها عن بعضها وزجرها عبر هذا النداء.
واحياناً تستخدم للقطيع نفسه عندما تتبعد عن الراعي فيطلق عليها هذا النداء حتى تعود اليه.

(13) “تحب .. تحب” :
صوت يطلقه الراعي لحث قطيع الاغنام على السير خلفه أو توجيهها الى إتجاه معين . ويقال غالباً وقت الصباح .
ويقال أيضاً : تحبت للغنم : بمعنى وعست عليها أو ناديتها.

(14) “تحاب…. تحاب وا وه ” :
بفتح الحاء ومد الألف مع ترخيم الصوت وفي العادة يكون وقت المساء ويسمى (التحاب) وهو نداء يطلقه الراعي لحث الأغنام على السير و الاسراع والعودة للبيت قبيل غروب الشمس وحلول الظلام .

(15) “كرس .. كرس” :
نداء يستخدم الراعي لتوجيه قطيع الأغنام للتوجه نحو مكان مبيتها سواء كان “الغار” أو “الزريبة” وهي عبارة عن شبك حديدي أو زرب الغنم عبارة عن تجويف صخري في الجبل محاط باغصان الاشجار او الأحجار وهذا في الغالب .

هذا نموذج بسيط و لمحة سريعة عن لغة الرعاة مع الأغنام الا ان هناك الكثير من الأصوات تحتاج مزيداً من البحث والتحقيق بهدف معرفة مدلولاتها وعموماً الموروث اللغوي والتراث الشعبي المشقاصي بحاجة للمزيد من الدراسة والتقصي بهدف التعرف على كافة النواحي لحياة سكان البادية في حضرموت عامة بهدف توثيق الموروث الشعبي للأجيال القادمة والحفاظ عليه حتى لايتعرض للأندثار في ظل الحداثة والتغيرات السريعة التي تمر بها المجتمعات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى